في كتاب المجموع شرح المهذب
يستحب طلب ليلة القدر لما روى أبو هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه }، والمستحب أن يقول فيها : اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني ، لما روي { أن عائشة رضي الله عنها قالت : يا رسول الله أرأيت إن وافقت ليلة القدر ماذا أقول ؟ قال تقولين : اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني }
فرع في مذاهب العلماء في مسائل في ليلة القدر . وقد جمعها القاضي الإمام أبو الفضل عياض السبتي المالكي في شرح صحيح مسلم ، فاستوعبها وأتقنها ، ومختصر ما حكاه أنه قال : ” أجمع من يعتد به من العلماء المتقدمين والمتأخرين على أن ليلة القدر باقية دائمة إلى يوم القيامة ، للأحاديث الصريحة الصحيحة في الأمر بطلبها ، واختلفوا في محلها فقيل : هي متنقلة ، تكون في سنة في ليلة وفي سنة في ليلة أخرى وبهذا يجمع بين الأحاديث ويقال : كل حديث جاء بأحد أوقاتها فلا تعارض فيها . قال : ونحو هذا قول مالك والثوري وأحمد وإسحاق وأبي ثور وغيرهم ، قالوا : وإنما تنتقل في العشر الأواخر من رمضان ، قال : وقيل : بل كل رمضان خاصة ، وهو قول ابن عمر وجماعة ، وقيل : بل في ثلاث وعشرين أو سبع وعشرين ، وهو قول ابن عباس . وقيل ليلة أربع وعشرين ، وهو محكي عن بلال وابن مسعود والحسن وقتادة رضي الله عنهم وقيل : ليلة سبع وعشرين ، وهو قول جماعة من الصحابة ، منهم أبي وابن عباس والحسن وقتادة رضي الله عنهم ، وذكر غير القاضي هذه الاختلافات مفرقة .
( فرع ) اعلم أن ليلة القدر يراها من شاء الله تعالى من بني آدم كل سنة من رمضان ، كما تظاهرت عليه الأحاديث وأخبار الصالحين بها ، ورؤيتهم لها أكثر من أن تحصر. ( فرع ) قال صاحب الحاوي : يستحب لمن رأى ليلة القدر أن يكتمها ويدعوا بإخلاص ونية وصحة يقين بما أحب من دين ودنيا ، ويكون أكثر دعائه للدين والآخرة . فرع في بيان جملة من الأحاديث الواردة في ليلة القدر عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه } رواه البخاري ومسلم . وعن ابن عمر { أن رجالا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أروا ليلة القدر في المنام في السبع الأواخر ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أرى رؤياكم قد توطأت في السبع الأواخر فمن كان متحريها فليتحرها في السبع الأواخر } رواه البخاري ومسلم . وعن عائشة قالت : ” { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجاور في العشر الأواخر من رمضان ويقول : تحروا ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان } رواه البخاري ومسلم ، ولفظه للبخاري . وفي رواية للبخاري { تحروا ليلة القدر في الوتر من العشر الأواخر من رمضان } وعن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { التمسوها في العشر الأواخر من رمضان ليلة القدر ، في تاسعه تبقى ، في سابعه تبقى ، في خامسه تبقى } رواه البخاري . وعن عبادة بن الصامت قال : { خرج النبي صلى الله عليه وسلم ليخبر بليلة القدر فتلاحى رجلان من المسلمين ، فقال : خرجت لأخبركم بليلة القدر فتلاحى فلان وفلان فرفعت ، وعسى أن يكون خير لكم ، فالتمسوها في التاسعة والسابعة والخامسة } رواه البخاري ، ومعناه رفع بيان عينها ولا رفع وجودها ، فإنه لو رفع وجودها لم يأمر بطلبها ، قال العلماء ومعنى ” عسى أن يكون خيرا لكم ” أي لترغبوا في طلبها والاجتهاد في كل الليالي . وعن أبي سعيد الخدري قال : ” قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { ليلة القدر ليلة أربع وعشرين } رواه أبو داود الطيالسي في مسنده ( وقيل ) إنه جيد ولم أره ، وعن زر بن حبيش قال : ” سألت أبي بن كعب فقلت : إن أخاك ابن مسعود يقول : من يقم الحول يصب ليلة القدر ، فقال : رحمه الله ، أراد أن لا يتكل الناس ، أما إنه قد علم أنها في رمضان ، وأنها في العشر الأواخر ، وأنها ليلة سبع وعشرين ، ثم حلف أن لا يستثني أنها ليلة سبع وعشرين ، فقلت : بأي شيء تقول ذلك يا أبا المنذر ؟ قال : بالعلامة أو بالآية التي أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم { أنها تطلع يومئذ لا شعاع لها } رواه مسلم ، وفي رواية لمسلم { والله إني لأعلم أي ليلة هي الليلة التي أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بقيامها ، هي ليلة سبع وعشرين } وفي رواية أبي داود بإسناد صحيح { قلت يا أبا المنذر إني علمت ذلك ؟ فقال : بالآية التي أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قيل لزر : ما الآية ، قال تصبح الشمس صبيحة تلك الليلة مثل الطست ليس لها شعاع حتى ترتفع } . وعن معاوية بن أبي سفيان { عن النبي صلى الله عليه وسلم في ليلة القدر قال : ليلة سبع وعشرين } رواه أبو داود بإسناد صحيح . وعن موسى بن عقبة عن أبي إسحاق عن سعيد بن جبير عن ابن عمر قال : { سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أسمع عن ليلة القدر فقال : هي في كل رمضان } رواه أبو داود هكذا بإسناد صحيح وقال : رواه سفيان وشعبة عن أبي إسحاق موقوفا على ابن عمر لم يرفعها إلى النبي صلى الله عليه وسلم هذا كلام أبي داود ، وهذا الحديث صحيح ، وقد سبق أن الحديث إذا روي مرفوعا وموقوفا فالصحيح الحكم برفعه ؛ لأنها رواية ثقة .