إن الأسرة تشكل نسيجًا اجتماعيًّا قويًّا، وهي نعمة عظيمة من الله عز وجل والأسرة الصالحة الحضن الأول لتنشئة الأجيال، وتربية الأبطال، وتعزيز التواصل الأسري؛ وذلك يؤسس لمجتمع متراحم، ويبشر بحياة كريمة، قوامها راحة النفس، واطمئنان القلب، وهذا مطلب كل عاقل، قال الله تعالى: {والذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إمامًا}.
وإن لكل فرد من أفراد الأسرة دورًا فاعلًا في تحقيق التواصل الأسري، يقول الله عز وجل:{والله جعل لكم من أنفسكم أزواجًا وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة}، وتلك هي عناصر الأسرة، التي جعلها الله تعالى أساس بناء المجتمع، وسبب تماسكه وقوته. وإن عماد الأسرة السعيدة؛ التفاهم والتواصل بين أفرادها، وذلك يبدأ بزوجين متوادين متراحمين، متآلفين متواصلين، تحقيقًا لقول الله عز وجل:{ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجًا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة}. فالتواصل بين الزوجين مقصد شرعي، ومطلب اجتماعي، يتعزز بتفاهم الزوجين على أساس الشرع مع بعضهما في مناقشة أمور بيتهما، وهذا ما نتعلمه من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم، فقد كان لأزواجه رضي الله عنهن نصيب وافر من محادثته ومؤانسته. قال ابن عباس رضي الله عنهما: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا دخل بيته بعد العشاء؛ تحدث مع أهله ساعة وكان صلى الله عليه وسلم يمشي مع زوجته، ويتبادل معها أطراف الحديث.
فالحوار بين الزوجين يسهم في تعميق التفاهم بينهما، فيقومان بواجبهما تجاه أولادهما؛ وعيًا منهما لأن الأولاد وصية ومسؤولية، وحرصًا على تحقيق الاطمئنان النفسي وبناء تواصل عائلي متين ونافع.
وإن من صور التواصل مع الأبناء: مجالستهم ومحاورتهم، والاستماع إليهم وتشجيعهم، وإظهار الحب والعطف لهم، وتقوية إيمانهم بخالقهم، وتقديم النصح لهم، فقد كان دأب الصالحين أن يتواصلوا مع أبنائهم، وينصحوهم ويوجهوهم إلى ما فيه نفعهم، فهذا لقمان الحكيم، يعزز إيمان ولده بربه، ومراقبته له سبحانه، قال تعالى حكاية عنه: {يا بني إنها إن تك مثقال حبة من خردل فتكن في صخرة أو في السموات أو في الأرض يأت بها الله إن الله لطيف خبير}.
فبهذه المعاملة الأبوية الحانية، والمحبة الفطرية الصادقة؛ يرتاح الابن لأبيه، ويشعر أنه أقرب الناس إليه، فيفضي إليه بكل ما يهمه، ويحدثه بكل ما يفكر فيه ويشغله، فإن نبي الله يوسف عليه السلام لم يجد أقرب إليه من أبيه ليقص عليه رؤياه قال تعالى: {إذ قال يوسف لأبيه يا أبت إني رأيت أحد عشر كوكبًا والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين}.
وحفاظًا على الأسرة وهي من تراث وثقافة الإسلام سعت دار الفتوى للترغيب بالزواج حفظًا للأنساب ومكافحة للفاحشة وما يعقبها من الآثار الوخيمة والأمراض الخطيرة في المجتمع مع ما يترب على فاعلها من العقاب يوم القيامة، فهي تهتم بتعريف الناس ببعضهم تمهيدًا وتسهيلًا للخطبة والزواج واستحصلت على إذن قانوني لمشايخها يخولهم التزويج والمصادقة على عقودهم من قبل السلطات المختصة في السويد وعملت على بناء علاقات طيبة مع سفراء دول العالم الإسلامي تسهيلًا للمعاملات القانونية وعقود الزواج في البلاد التي ينحدر منها أبناء الجالية الإسلامية في السويد، وحفاظًا على العائلة وتماسكها تقيم دار الفتوى المحاضرات الدورية والمقالات وتصدر الكتيبات لبيان حقوق الزوجين لدوام حياة سعيدة مليئة بالوئام والوفاق وأخذت على عاتقها مسؤولية فض النزاعات وما يترتب عليها من خلافات بين الأزواج لاستمرار التلاحم الأسري وتتطلع دار الفتوى دائمًا إلى أن ياخذ الأبوان دور القدوة الحسنة لحاجة الأبناء لذلك ولما لهذا من أثر في الخبرات عبر الأجيال، وتقوّم المفاهيم الخاطئة التي قد يلتقطها الأبناء، وتقدّم التوعية لهم في ظل المتغيرات المتسارعة في كثير من القضايا،
وإن للأبناء دورًا هامًا في تحقيق التواصل الأسري، وذلك ببرهم بآبائهم وأمهاتهم، وتوقيرهم واحترامهم، وزيارتهم ورعاية مصالحهم، واستشارتهم في أمورهم، والاستفادة من خبراتهم، فقد كانت السيدة فاطمة رضي الله عنها تزور أباها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا دخلت عليه قام عليه الصلاة والسلام إليها، فأخذ بيدها، وقال :«مرحبا بابنتي». وأجلسها رضي الله عنها في مجلسه.
ومما تقوى به الروابط الأسرية، تقدير الأخ الصغير للكبير، وعطف الكبير على الصغير، وتبادل الزيارات بين الإخوة ذكورًا وإناثًا، وذلك مما يغرسه الأبوان في أولادهما منذ الصغر؛ ليتمسكوا به في الكبر.
ومن هنا دأبت دار الفتوى على تنظيم لقاءات عائلية في المناسبات الإسلامية تجمع فيها القلوب قبل القوالب توجه فيها إلى أهمية التواصل العائلي وتذكر بصلة الأرحام لا سيما وأن هذا الأمر قد ترك في كثير من بلاد الغرب، وتنظم للعائلات زيارات دورية لتزرع فيهم ثقافة التواصل والتزاور بين الأقارب في زمن التفكك الأسري وتقدم دار الفتوى أيضا خدمة إقامة حفلات الإنشاد الديني في البيوت بالمناسبات الدينية والاجتماعية التي عادة يجتمع فيها الأقارب والعائلات والأرحام لترسيخ مبدأ الجلسة العائلية وتقيم لهم الدروس الخاصة وحلقات القرآن في بيوتهم بهدف نشر القيم النبيلة، وربط الأبناء بالعادات والتقاليد الأصيلة، وتعليمهم مكارم الأخلاق والآداب، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستثمر مثل هذه اللقاءات في التوجيه والتهذيب، والتعليم والتأديب، فيقول صلى الله عليه وسلم لغلام يأكل معه:«يا غلام سم الله، وكل بيمينك، وكل مما يليك».
وما أحسن أن يجتمع أفراد الأسرة على علم الدين وتعلم القرآن الكريم، فتنزل عليهم السكينة، وتغشاهم الرحمة، وتحل في بيتهم البركة، ويتحقق بينهم التواصل، فقد كان أنس بن مالك رضي الله عنه إذا أشرف على ختم القرآن الكريم بالليل؛ أبقى منه شيئا حتى يصبح، فيجمع أهله فيختمه معهم.
وقد دأب الأنبياء والصالحون لأسرهم ينصحون، ولأبنائهم يوجهون ولأولادهم يدعون،كما دعا سيدنا إبراهيم عليه السلام ربه قائلا :{ربّ اجعلني مقيم الصلاة ومن ذريتي ربنا وتقبل دعاء}.
وإذا صلحت العائلة والأسرة الصغيرة صلحت الأسرة الكبيرة وهي المجتمع والبلد، فالجلسة العائلية من أنجح الوسائل التربوية والإصلاحية، ففيها التقارب الروحي، والاطمئنان النفسي، والتلاحم الأسري، لأن بيت المودة يبنى على المحبة والمجالسة والتحاور، ويشاد بالكلمة الطيبة، والخلق الكريم، والقدوة الحسنة، وتجاوز الأخطاء والهفوات، فلا ينسحب فرد من الأسرة لكثرة مشاكلها، بل يندمج فيها، ويتحد معها.
وفي الاجتماع الأسري تدريب للأبناء على الحوار، وطرح الآراء أمام الآخرين منذ الصغر، وإعطاء البنات الفرصة للتعبير عن طموحاتهن وشعورهن والمشاركة برأيهن، وتعزيز انتمائهن الأسري مع إخوتهن الذكور، وإذكاء روح المسؤولية، وثقافة العمل الجماعي، والتعود على الشفافية، في أجواء تملؤها السعادة والطمأنينة، لبناء مجتمع أكثر تجانسًا وانسجامًا، مليء بالحب والألفة والمودة.