إن الكلام عن الاندماج يتناول دراسة كافة العوامل التي تؤثر على العلاقات بين الأفراد وتُمكِّنهم من التأقلم والانسجام مع مجتمعهم.
كما يتناول دراسة الآليات والوسائل التي يُمكن من خلالها المحافظة على المجتمعات في حالة من الاستقرار والاتزان وبالتالي المحافظة على استمرار نفعها، ومسألة الاندماج من أبرز العوامل التي تؤثر على مستوى انخراط الفرد بالمجتمع ومراعاته للآخر وتعايشه في المجتمع الذي يقيم فيه، حيث نالت هذه المسألة الاهتمام الكبير من قبل المفكرين والباحثين في العلوم الاجتماعية.
ويُعتبر مصطلح الاندماج من المصطلحات الواسعة لدي مستخدميه التي تحمل العديد من المعاني، حيث إنه يُعتبر مفهومًا سياسيًا وسوسيولوجيًا في الوقت نفسه، كما أنه مصطلح مرتبط بالسياسة نتيجةً لارتباطه بقضايا اللجوء والهجرة والتعدد الثقافي.
إن مفهوم الاندماج يختلف بحسب طبيعة البلد، والكلام هنا عن الاندماج في السويد التي تستقبل أفواجاً كبيرة من المهاجرين العرب والمسلمين وغيرهم من مختلف دول العالم وخاصة الدول التي تشهد النزاعات والحروب، والحديث عن الاندماج يتجاوز الحديث عن العادات والتقاليد، وإنما يتطلب التعمق في العلاقات المتبادلة بين الأفراد مما يُسهم في تنمية القيم الموجودة في الأصل.
وينظر بعضهم إلى الاندماج على أنه لا يتم إلا من خلال انصهار المسلمين في المجتمع بكافة تقاليده ولغته ودينه، والتزامهم بهوية المجتمع المقيمين فيه وتهميشهم وهذا النوع من الاندماج يتطلب من المهاجر التخلي عن العديد من الخصوصيات الدينية والثقافية والاجتماعية، وقد يتطلب منه كذلك التخلي عن هويته بشكل كامل ويكون من خلال عدم إظهار المسلم لأي خصلة من عاداته وثقافته العربية والإسلامية، وهذا هو الاندماج السلبي والذي من آثاره نظرة هيمنة الطبقات العليا على غيرها، حيث تَعتبر الطبقات العليا بأنَّ الطبقات الدنيا غير قادرة على الاندماج، وهذه النظرة من شأنها أن تُثير الاحتقار بين ثقافات الأفراد وتجاربهم المختلفة، وتُثير الجدل تجاه بعض القضايا التي تُعتبر أساسية في نظر الجالية المسلمة مثل الحجاب والبرقع وغيرها.
ويرى بعضهم أن الاندماج هو الطريق الذي يدعو المهاجرين إلى الموازنة بين هويتهم وهوية دول المهجر، وهذا يتضمن المحافظة على الخصوصية الدينية والثقافية والاجتماعية الخاصة بالفرد والخاصة بدول المهجر، وهذا النوع من الاندماج يُشير إلى الاندماج الفعال، حيث إنَّ المهاجر بحد نفسه لا يعترف بأنه أصبح مندمجاً إلا حينما يقبل المجتمع الجديد وجوده، وعندما يكون قادراً على التعامل مع اختلافاته، بحيث يتم التعامل مع هذا الاختلاف على أنه يُمكن الاستعانة به واعتباره وسيلة لإغناء المجتمع وإشباع حاجاته.
وهذا الاندماج قائم على مجموعة من القيم المثالية التي تتخذ من المهاجرين أعضاء فاعلين في العديد من المجالات
قادرين على نقل ثقافة وقيم وأفكار الآخر بأفضل أسلوب بصورة تُسهم بإثراء قيم الدولة المضيفة، كما أنه يعني تجاوز الأفكار السابقة المرتبطة بالاندماج والتعامل مع فكرة الإقامة بأنها غير مؤقتة ولكن من المحتمل أن تدوم لمدة طويلة، وهذا يعني أهمية تعلم لغة الدولة المضيفة والتعرف على قيمهم وعاداتهم وأفكارهم وثقافتهم والأنشطة الثقافية والاجتماعية وحتى السياسية، بالإضافة إلى تعزيز العلاقات مع أفراد المجتمع الأصليين، وفي المجمل فإنه يعني التصرف في المجتمع المضيف كأنه موجود في مجتمعه الأَصلي.
وترى دار الفتوى أنه لا بد من تضافر الجهود الفردية والجماعية في الدولة لتحقيق الاندماج الإيجابي، ويستلزم التغلب على المعوقات التي تحد من إمكانية الاندماج في المجتمعات مثل البطالة، و ظاهرة ما يسمى “الإسلام فوبيا” وغيرها.
ولذا حددت دار الفتوى عدة خطوات تقوم بها يُمكن من خلالها تحقيق الاندماج الإيجابي ومنها:
- تفعيل المؤسسات التعليمية وزيادة عددها وهي المراكز التي يبدأ منها نشر الأفكار المعتدلة التي تُحفِّز الأفراد نحو فهم الآخر ومحاولة التأقلم معه.
- تفعيل دور السويديين المعتنقين للدين الإسلامي ودور الجيل الثاني والثالث للمسلمين الذين ولدوا في السويد، حيث يعتبر هؤلاء الأفراد بأنَّ السويد موطنهم ويوجهون نشاطاتهم واجتهاداتهم على هذا الأساس، ولهم تأثير في نقل الصورة المناسبة والصحيحة عن الإسلام والمسلمين.
- نشر المعرفة والثقافة المعتدلة والوسطية بشتى الوسائل بين أفراد المجتمع التي هي بعيدة عن الفتاوى المتشددة التي يتمسك بها بعض المنتسبين للإسلام إما لقلة فهمهم بالدين الإسلامي أو لحملهم أفكارًا فاسدة تكفر كل من يخالفهم اعتقادهم وتسعى لقتلهم وتفجيرهم.
- تفعيل التواصل مع الجهات الإعلامية التي يُمكن من خلالها تعزيز التلقيح الثقافي بين السويد والمهاجرين، وتخفف من حملات التشويه الموجهة للإسلام من قبل الجماعات العنصرية.
- إتقان المسلمين المهاجرين للغة السويد مع إتقانهم للغتهم الأصلية الذي يرفع مستوى العلاقات الاجتماعية، ويعين على فهم القيم والعادات السويدية حيث إنَّ تعزيز العطاء والتلقيح الثقافي مرتبط بصورة أساسية بهذا الجانب.
- تفعيل دور المرأة الإيجابي لتكون شريكة للرجل في نهوض المجتمع وسدًا للباب على المتاجرين بقضيتها.
- التركيز على التخاطب مع الآخر بأسلوب سهل وبسيط يُمكن من خلاله إيصال الفكرة بالطريقة المناسبة والتي يُمكن من خلاله ضمان إيصال الفكرة بالشكل المناسب.
- العمل على توجيه الطلاب لاختيار الاختصاصات المناسبة تمهيدًا لإثراء المجتمع والمشاركة في نموه وإثراء سوق العمل بالفرص المناسبة للحد من البطالة.
- حث الحكومة السويدية على تجنب إبعاد الجالية المهاجرة بعيدًا عن المجتمع لعدم منحهم إمكانية الانعزال عنهم، حيث إنَّ انعزالهم يمنع من إمكانية تعلُّمهم للغة السويدية ويحد من إمكانية انخراطهم في المجتمع والتوجه لسوق العمل.
- الضغط لجهة تكثيف الجهود السويدية والعربية في مكافحة الثقافة العنصرية ونشر ثقافة التعايش الحسن والاندماج الإيجابي.
- التأكيد على أفراد الجاليات المسلمة التزامهم بأخلاق دينهم وتجنب الحيل والكذب والخداع والغش والسرقة وضروب التأمينات التي يكون سببها غالبًا حب جمع المال، والبعد عن التعرض للأذى بمخالفة القانون وتجنب تعنيف المرأة والولد واضطهادهما وتجنب الانحراف والجرائم والمخدرات وتخريب وحرق الممتلكات ونحو ذلك مما يقدم سمعة وصورة سيئة عن المسلمين ويعيق اندماجهم بأفراد المجتمع.
فاختلاف الأزمنة والظروف يحوج إلى اختلاف طريقة التعامل مع المعطيات المتاحة، ويؤكد على التعامل والتأقلم مع الطبيعة الموجودة، وبصورة عامة يُمكن القول بأنَّ هذه الخطوات توصل إلى الاندماج الإيجابي الذي يكون وسطًا بين العزلة والانصهار ولا يُقدِّم أيًّا منهما على الآخر.